تكمن أهمية المناقشات التي نتناول فيها مشاكلنا الإجتماعية المعاصرة أنها أصبحت وسيلة دعوية أشد نفعا لكثير من الناس -ولنا- عن تذكيرهم بالحكم الشرعي عن طريق عرض الفتوى عليهم .
فلقد أصبحت كلمة "حرام" كلمة ذات خصائص مطاطية مرنة . فغدونا نرى حرام كبير و حرام صغير حسب مقاييس أهواء وضمائر الخلق المختلفة . ولم تعد هذه الكلمة هي الزاجر الذي يردع هوى النفس حتى لو اقترنت بأية من كتاب الله او حديث من سنة المصطفى يؤيدها .
وقد ورد في السنة ما يؤكد كلامي وذلك في الحديث المشهور عندما جاء فتى شاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد عجز عن الزواج . و زادت شهوته . وضاق عليه صدره . فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يأذن له في الزنا كرخصة خاصة به .
فهذا الشاب كان يعلم مسبقا حكم هذا الفعل ويظهر ذلك في قوله " إئذن لي بالزنا " . ولكن شبابه جعله لا يحفل بمدلول حرمانية الزنا . فذهب إلى الرسول وهو بين أصحابه يطلب منه هذا الطلب المشين والمحرج . غير ابه بمهابة هذا المجلس بعدما أوشك على الوقوع في الحرام . ليس سوئا في خلقة او قلة في حيائه ولكن رغبة في إيجاد منفذ يهون عليه ما و صل إليه .
و لم يفهم هذا الشاب ان الله أحل له الطيبات وما فيها من راحة و سعادة له . حرم عليه الخبائث وما فيها من تعب و حزن له . فظن أنه مادام سيحصل على الإذن أو الرخصة فلا ضرر هناك .
و جاء المربي صلى الله عليه وسلم ليعلم الامة من بعده اسلوب دعوي راقي في معالجة مثل تلك المشاكل .
لقد طلب من الشاب أن يقترب منه . وبدأ معه نقاش عقلاني وجداني . ودار بينهما حوار سريع أدرك بعده هذا الفتى المغزى .
ومن أول الحديث إلى أخره لم يذكر الرسول ما يوضح الحكم الشرعي ولكن ترك له الأمر بعدما أزال الغمامة من على بصيرته وبغض إليه هذا الفعل .
وهذا نص الحديث
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : إن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الشاب : يا رسول الله إئذن لي بالزنا.
فأقبل القوم عليه فزجزروه وقالوا : مه مه !! , فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (أدنه).
فدنا منه قريبا فجلس، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (أتحبه لأمك ؟ .)
فقال الشاب : لا والله جعلني الله فداءك.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (ولا الناس يحبونه لأمهاتهم ... أتحبه لإبنتك ؟ .)
فقال الشاب : لا والله جعلني الله فداءك.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (ولا الناس يحبونه لبناتهم ... أفتحبه لأختك ؟ .)
فقال الشاب : لا والله جعلني الله فداءك.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (ولا الناس يحبونه لأخواتهم... أفتحبه لعمتك ؟ .)
فقال الشاب : لا والله جعلني الله فداءك.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (ولا الناس يحبونه لعماتهم).
قال : ( اتحبه لخالتك ؟ .)
فقال الشاب : لا والله جعلني الله فداءك.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (ولا الناس يحبونه لخالاتهم).
فوضع يده عليه وقال صلى الله عليه وسلم : (اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه).
فلم يكن بعد ذلك الفتي يلتفت إلى شيء
اخرجه الإمام أحمد وإسناده صحيح وانظر السلسلة الصحيحة (1/370).
ما أردت قوله إذا . أننا بمناقشتنا لمشاكلنا تتفتح لنا خبايا مدسوسة إذا جليناها لأعيننا إستقبحنا الفعل . وبات الأمر هين على نفوسنا أن تلفظه إذا اقترب منها شئ